قبل الحديث عن مفهوم المقاصد، فيحسن لنا التعريف أولا بالعقيدة لغة واصطلاحا، حيث ترجع كلمة العقيدة في اللغة إلى كلمة عقد، قال الفيروز أبادي: "عقد الحبل والبيع والعهد يعقِدُه: شَدَّه ... والعقد: الضمان، والعهد"( ). إذن العقد هو الربط، واللزوم، والتأكد. قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ -المائدة: 89-. والعقيدة في الاصطلاح: هي ما ينعَقِدُ عليه قلبُ المرء ويجزمُ به أى ما يعقد ويوثق الإنسان عليه قلبه وضميره وجزم به جزما قاطعا لا يقبل الشك فيها. وقال الجرجاني عند تعريفه للعقيدة: "العقائد ما يقصد فيه نفس الاعتقاد دون العمل"( ).
والعقيدة الإسلامية هي عبارة عن مجموعة من الأصول والمبادئ الإيمانية الإسلامية المعروفة بأركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره. وفي دراسة هذه الأركان الإيمانية، قام علماء الكلام بتقسيم مباحث العقيدة الإسلامية أو المباحث الإيمانية إلى ثلاثة أقسام: الإلهيات، والنبوات، والسمعيات. وهذه الأصول الرئيسية الثلاثة تكون الخط الأساسي للمؤلفات الكلامية عند علماء الكلام وبخاصة المعتزلة والأشعرية والماتريدية. وعلى أية حال، فإن العقيدة هي أساس الدين، حيث إن جميع الأعمال لا قيمةَ لها إذا لم تكن نابعة عن عقيدة صحيحة، فالعبادات والمعاملات ومكارم الأخلاق، وجميع أعمال الخير - لا قيمةَ لها عند الخالق سبحانه وتعالى إذا لم تكُن خالصة لوجهه الكريم. تعريف المقاصد لغة
المقاصد جمع من "المقصِد" ومشتقة من قصَد يقصِد قصْدا، والقَصْد مصدر، قصد كذا بمعنى تجاه، هدف، ونية، وعمد. جاء في المعجم الوسيط: "الْقَصْد، يُقَال هُوَ على الْقَصْد وعَلى قصد السَّبِيل إِذا كَانَ راشدا، واستقامة الطَّرِيق، يُقَال طَرِيق قصد سهل مُسْتَقِيم، وَالرجل لَيْسَ بالجسيم وَلَا بالنحيف، والتجاه يُقَال: هُوَ قصدك تجاهك. والقليل يُقَال: أعطَاهُ قصدا قَلِيلا وَاللَّحم الْيَابِس" . وورد في لسان العرب وتاج العروس وتهذيب اللغة: "القَصْدُ: استقامَةُ الطَّرِيقِ . وفي هذا أوضح الزَّجَّاج في كتابه "معاني القرآن وإعرابه" عن قوله تعالى: وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ -النحل-9. قائلا: "وعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ" أي على الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحججَ والبراهين . وهكذا في أضواء البيان: "هو الطريق المستقيم القاصد، الذي لا اعوجاج فيه" . وجاء في معجم الكمال للمترادفات معاني (القصْد) و (المقْصِد)، إذ أن القصد له ثلاث معاني:
- أولا: اتجاه، جهة، وجهة، ناحية.
- ثانيا: اعتدال.
- ثالثا: همة، عزم، نية، عزيمة. قصد إلى: استهدف، سعى إلى .
وأما المقصِد فهو: فحوى، معنى، مغزى، مدلول، محصول، مفاد، مفهوم، مضمون، منحى، وجه . إذن "مقصِد الكلام" يراد به مغزى الكلام ومدلوله ومعناه الخفي.
ويبدوا أن الإمام الغزالي من أوائل المتكلمين الذين استخدموا لفظ "المقاصد"، وهذا واضح من كتابه المشهور بعنوان "مقاصد الفلاسفة". ووجدناه كذلك في كتابه (فضائح الباطنية) وذلك في بيان المنهج الذي اتبعه في الكتاب: "المنهج الذي استنهجته في هذا الكتاب ... المقام الثاني في التعبير عن المقاصد إطنابا وإيجازا، وفائدة الإطناب الشرح والايضاح المغني عن عناء التفكر وطول التأمل وآفته الإملال. وفائدة الايجاز جمع المقاصد وترصيفها وايصالها إلى الأفهام على التقارب" . تعريف مقاصد العقيدة اصطلاحا
وأما التعريف الإصطلاحي للمقاصد العقائدية باختصار -من وجهة نظرنا- هي "عبارة عن حكم وأسرار للقضايا العقائدية التي وضعت لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة". وهذا التعريف استنتجت من قول الإمام الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال": قد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله عقيدة أهل الحق، على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم" . وهناك تعريفات كثيرة لمقاصد العقيدة وقفت عليها من قبل الباحثين المعاصرين المهتمين بهذه القضية، منها: "الأسرار والحكم التي أودعها الله تعالى في عقيدة الإسلام وأمر أولي القلوب والأبصار باعتبارها" . و"الأغراض والأسرار العقدية التي رام الشارع تحقيقها عند كل ركن من أركانها، أو هي المعاني والأهداف الملحوظة للعقيدة في كل أبوابها وأركانها، وفي كل جزء من أجزائها" . و"الغايات المستهدفة والنتائج والفوائد المرجوة من أركان الإيمان جملة، ومن وضع العقائد تفصيلا، أوهي الغايات التي وضعت العقيدة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد" . و"الغاية التي وضعت العقائد من أجل تحقيقها في آية القرآن الكريم، أو النظر إلى الآثار العملية على سلوك المؤمن" . ومن هذا الجانب -أى علم مقاصد العقيدة- اعتبره الإمام الغزالي وظيفة كلامية صعبة: "إن هذا الأمر في نفسه عزيز المرام، صعب المنال، غامض المدرك، فإنه في العلو في الذروة العليا والمقصد الأسنى الذي تتحير الألباب فيه، وتنخفض أبصار العقول دون مبايه فضلا عن أقاصيه" .
واضح مما سبق من التعاريف لمقاصد العقيدة أنها تدور على: الأسرار والحكم للمسائل الإعتقادية التي لها غاية، ومغزى، ومدلول، وأنها موضوعة لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، سواء من حيث جلب المنفعة أو درء المفاسد.
المراجع والمصادر
- الفيروز آبادي، مجد الدين، 2008م، القاموس المحيط، دار الحديث، القاهرة، مصر، ص 1118.
- الجرجاني، علي بن محمد، 1405هـ، التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص 196.
- هارون، عبد السلام وغيره، 2004م، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، باب (القاف)، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، مصر، 2/738.
- ابن منظور، 1444ه، لسان العرب، دار صادر، بيروت – لبنان، 3/353. الزبيدي، تاج العروس، 1/2201. تهذهب اللغة، 2001، الأزهري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، 8/274.
- الزجاج، 1988م، معاني القرآن، عالم الكتب، بيروت-لبنا، 3/192.
- الشنقيطي، 1995م، أضواء البيان، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 2/335.
- مرجوني، كمال الدين نور الدين، 2021م، معجم الكمال للمترادفات، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ص 231-232.
- مرجوني، كمال الدين نور الدين، 2021م، معجم الكمال للمترادفات، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ص 268.
- الغزالي، 1964، فضائح الباطنية، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت، ص 8.
- الغزالي، 2011م، المنقذ من الضلال، مكتبة العصرية، بيروت-لبنان، ص 13.
- حميد العساتي، 2017م، من العقيدة إلى مقاصد العقيدة، مجلة المدونة، الهند، العدد: 13.
- الزايدي الطويل، 2011م، المقاصد العقدية في القصص القرآني، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ص 23.
- صوان، عبد الرؤوف تاج الدين، 2017م، مقاصد العقائد عند الشيخ الطاهر بن عاشور، رسالة الماجستير قدمت إلى كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر.
- أبو الرب، محمد محمود، 2006م، مقاصد العقائد في القرآن الكريم، سرال الماجستير قدمت إلى جامعة آل البيت، الأردن، ص 25.
- الغزالي، مقدمة المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، دار الجفان، قبرص، ص 19.